نعبر عن القيمة بالميزة التي تجعل الشخص يشعر برغبة في امتلاك شيء ما، مؤمنا بالأهداف التي يسعى للوصول إليها، القيمة والدافع مفردات يشتركان في تحفيز الشخص لإختيار الوسائل لتحقيق الهدف والاستمرار في السير نحوه من جهة وفي الحكم على الشيء بناءا عن معرفته سابقة، ولكن في الواقع قد ينسى الإنسان أن يستشعر بلذة القيمة التي يحملها بين يديه إلا بعد أن يحس بأنه على وشك أن يفقدها.

ففي مفهوم القيمة في فلسفة هنرى باركر Henry Parker أنها عملية إشباع الرغبة وتحقيق غايتها فمثلًا: إشباع الجوع لا يتم إلا عن طريق تناول الطعام، فلو تعمقنا في البحث عن معنى الذي يريد إيصاله فحتما نلمس بعضا من التعقيد في مدلوله لذلك يبقى هذا التعريف نسبيًا، فهو لم يحدثنا عن طبيعة هذه القيمة، وهل يمكن تقديرها بحسب شدة الرغبة وضعفها وما إلى ذلك، لكن دعنا نتفق أن غالبية القيم تصب في إطار اهتمامات الإنسان وجوهره فتعلو به للشعور بالرضى عن نفسه. فالحرية في حد ذاتها قيمة سامية لا تساوى بأية نعمة، وتتداخل مع القيم الأخرى من خلال الرغبة والبحث لتحقيقها.

على مر الزمان سعى الإنسان في شتى ميادين أموره أن يعيش حُرًّا طليقًا، تمرد بكل طاقته لرفض أي خضوع يقيده خارج رغبته، ففي الأصل غريزة الإنسان هي الذي دفعته لمقاومة والبحث عن حريته، وفي الإسلام مثلا قد خلق الله تعالى الإنسان ليكون حُرًّا عزيز مكرم عن سائر المخلوقات ويظهر جلي في محكما تنزيله: «ولقد كرمنا بنيا أدوم» أي فضله وجعله في أعلى المراتب، وذلك بالعقل أولًا، وتسخير الأشياء له باعتبار أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم، دون أن أنسى ما قاله الفاروق «عمر رضي الله عنه»: متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا. لذلك انتفاضة ضد العبودية وتمرده لها هي في الأساس ردة فعل طبيعية.

الحرية هي أساس الحياة ومحور ديننا الإسلامي، عبر العصور ظل الإنسان يطالب بحريته من عدو معروف بمطالب مشروعة، على غرار المعارك التي كان يفوز بها في بعض الأحيان، والأخرى التي تعرض فيها لتكميم الأفواه، لكنه قاوم بكل ما أوتي من طاقة من أجل حريته المسلوبة، أما اليوم وبنسبة من الحرية التي حصل عليها أحس أن أوراقه تبعثرت، نتيجة ما فتك بالعالم وقلب الموازين في جميع المجالات عدوه فيروس لا يظهر بالعين المجردة، قيدا طاقته، بل حتى حريته فماذا لو تعلق الأمر بشيء يخص صحته هل يظل كعادته يطالب بفك أسره، يقولون إن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، ففي ظل الوضع الحالي حريتك تنتهي بمجرد أن تلتصق قدماك بعتبة بيتك للخروج.

في ظل هذه الجائحة ومنذ أكثر من شهرين تقريبًا ظل الإنسان يحمل شعار «أبقى في المنزل» مصغيًا ومتقبلًا كل الإرشادات التي قيلت له من طرف الأطباء للالتزام بالمكوث في البيت، لكن سرعان ما «بطارية» صبره أوشكت على النفاذ، رأى أن حريته سلبت منه من جديد، دعنا نكن صرحاء أكثر هو لا يعلم كيف تتم مواجهة عدوه ما دام أن هذا الفيروس أعجز أصحاب الاختصاص في مواجهته، وأرهق كاهل كبار الدول في تطويقه، فتك بالاقتصاد والتعليم، وقد بقي في جيب هذا العبد الضعيف مجرد قطعة قماش صغيرة لتصد لهذا الفيروس، لكن مع ذلك أبى الاستسلام، فاختار التصدي والمقاومة بعد أن نفدت مواجهته في بقائه في المنزل، أحس بقيمة الحرية عندما شعر أن عدوه أنقض عليها، رفض أن يخضع لفريسته فصرخ أمامه «حريتي هي أساس وجودي»، فمن سيفوز بهذه المعركة يا ترى؟