يقال بأن الإنسان بحاجة إلى عامين ليتعلم الكلام، لكن بحاجة إلى 60 عامًا لتعلم الصمت، من هنا يظهر جليا الأهمية البالغة الذي قد يتركه الصمت في نفس الفرد، ولكن هل في كل الأوقات يمكن أن نعتبر الصمت نعمة على الشخص؟، لا طبعًا، فمن غير الممكن أن يحمل صمته معه في كل الأوقات والمواقف، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بانتهاك الحقوق والخطوط الحمراء، فيتطلب عليه حينها التكلم والدفاع عن نفسه، وعليه، لا بد من أن  يكون هذا الصمت في مواطن لا غير، الصمت المباح الذي فيه ترك لكل ما هو مذموم، لكن احذر فسرعان ما يتحول هذا الصمت المباح إلى مذموم ومصيبة إذا التزمت به، مع العلم أن الفقهاء أنفسهم اختلفوا في الحكم على الصمت، وهل يمكن اعتباره مكروهًا، لكن دون شك إذا حمل ترك الواجب صار حرامًا، كما قال الصديق -رضي الله عنه-   «لا خير في الصمت عن العلم، كما لا خير في الكلام عن الجهل».

فمثلما يوجد فن الاستماع، وفن الخطابة، لا بد من أن  يتعلم الفرد ضعفين لاكتساب مهارة فن الصمت؛ لأنه ليس من السهل أن يتمالك الإنسان نفسه ليستنزف الطاقة السلبية التي يستقبلها من الغير لرميها جانبًا بعيدًا عنه، لكن تحصين الذات لابد منه، كما تبنى شخصية الفرد من خلال آثار تلك الندوب النفسية التي تركتها فيه لحظة معينة ليصبح أكثر نضوجًا وتحملًا من أية فترة مرت عليه. وربما كلنا قد صادفنا ذلك الشخص الذي يمتلك هذه الخاصية المميزة والقيمة... صمته يعبر عن هيبته بعطره الزكي يمتلك هذا الفن، وإذا ما تحدث لفت انتباه الكل مع تركيزه لما يقوله بكلماته المتزنة وحضوره القوي، ومما لا شك فيه بأن صفاته هذه لم تكن وليدة اليوم، أو فن اكتسبه بين ليلة وضحاها، إنما هو الآخر مر بتجارب ولحظات جعلت منه شخصًا يصبح كما تراه أمامك. فالصمت إما أن يكون وليد موقف، أو تجربة، وفي الكثير من الأحيان يكون نتيجة نضوج فكري وثقافي، لذلك فمثلما تعتبر الكتاب خير جليس لك، احتضن صمتك ليصبح رفيقًا لك حتى تدركك المعرفة.

يوجد مثل يقول «من الإصغاء تأتي الحكمة ومن الكلام تأتي الندامة»، أما عن الصمت فيأتي كل ما هو نافعا وإيجابيا، لكن لا يعني ذلك بأن السكوت علامات الرضا، كما لا يعني بأن الصمت دلالة على الضعف والاستسلام، لذلك لا بد من أن  نربط كل واحد منهما بالبيئة الخارجية التي تفرض على الشخص أحيانًا أن يكون كما تطلبه منه وليس كما يريد أن يكون... لذلك الحل هو أن تهرب من صمتك لتصبح حُرًّا طليقًا من تلك الشحنات السلبية وبالتجربة ستعرف الخط الرفيع الذي يقسم بين الصمت والحديث، فكما يحمل الكلام معنى، اجعل لصمتك دلالة أيضًا... فكن متزنًا وسر بحذر.