مما لا شك فيه بأن التطورات الرقمية التي مست جميع مجالات الحياتية  قد ساهمت بشكل أو بأخر في تغيير ألية عمل الهياكل الإدارية والمؤسسات الإقتصادية والإعلامية على المستوى التقني والوظيفي، ونتيجة لتحولات العالمية المتتالية التي إنبثق عنها ظهور أداة جديدة ومؤثرة في تشكيل الرأي العام المتمثلة في شبكات التواصل الإجتماعي والتطبيقات الرقمية المتنوعة التي أضحت مصدر إهتمام الكثير من الباحثين في حقل علوم الإعلام والإتصال بعدما كان تركيز أغلبية البحوث على تأثير المرسل أو الوسيلة المستخدمة على الجماهير بإعتبار المتلقي عنصر سلبي، لكن بسبب البيئة الاعلامية الحديثة أصبح التركيز الإهتمام أكثر على الجمهور بإعتباره أصبح نشِط ويحمل وعي كافي في إدارك المواضيع والتفاعل معها معبرا عن رأيه وإنشغالاته، ولكن نظرا لخصوصية هذه البيئة الجديدة قد طُرحت إشكاليات منهجية ونظرية وأوجدت العديد من التغيرات في الممارسات الإعلامية، وبالرغم أيضا من كل التطورات  الذي شهادناه في وسائل الاعلام على المستوى التقني والمجتمعي إلا أن عدد من الباحثين يرون أن هذا العلم مزال  يعاني من قصور فيما يتعلق بالمستوى البحثي ويكمن في عدم قدرة الباحثين على احداث قطيعة إبستميولوجية مع الأفكار المسبقة أثناء معالجتهم لعدد من القضايا الأنية التي يتم دراستها والنتائج التي يتم التوصل إليها بالإضافة الى مجهولية المصدر والإستخدام غير المنظم في وسائط الميديا الجديدة.

وفي ظل ما كشفته البيئة الرقمية من قصور منهجي في التعامل مع مختلف الميادين، قد أضحى البحث الأكاديمي الذي يعالج واقع بحوث الإعلامية والإشكاليات التي تعترض مسيرتها أكثر من ضرورة اليوم وحاجة لتطوير إسهاماتها، خصوصا إذا كان بحثا علميا قائم على دراسة علمية تحليلية تفيد نتائجها في التعامل مع الأزمات والمشاكل التي تعترض المجتمع وتطرح عدد من الحلول التي تساهم في تقدم الأمة وتطورها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما أبرز الإشكاليات المنهجية التي تواجه الدارسات العربية في حقل علوم الإعلام والإتصال؟

من بينها:

1- تدني نسبة الميزانية المخصصة للبحث العلمي في معظم دول العربية التي لا تتعدى 1 بالمئة من الدخل الوطني.

2- عدم وجود مناهج علمية مهيئة لتعامل مع الاعلام الجديد وشبكات التواصل في بناءها النظري ونتائجها المتوصل إليها، كما لا يمكن إسقاط طرحها على مناهج بحثية جديدة بالرغم من التراكم المعرفي الكمي الكبير في الدراسات السابقة الموجودة على رفوف المكتبات الجامعية.

3-عدم إمتلاك الباحثين المهارات التقنية اللازمة في التعاطي مع أبحاث البيئة الرقمية الجديدة.

4-بالرغم من أن  البحث العلمي يعتبر من الوظائف المهمة في الجامعات إلا أنه مع الأسف نشاطات البحث العلمي في الدول العربية لا تتعدى 5 بالمئة على أعضاء الهيئة التدريسية مقارنة بالدول المتقدمة بلغت 33 بالمئة حسب ما افادت به نتائج دراسة الباحثة  منال الزاهرة أستاذة بكلية الإعلام بجامعة الأردن، ومن هنا يمكن أن نستنتج بأن البحث العلمي في الجامعات لا يحصل على أولويات وإهتمام من طرف مخابر البحث.

5- إتسمت الموضوعات البحثية المتعلقة بوسائل التواصل الإجتماعي بالروتينية تدور في دوائر مغلقة لا تقدم الجديد ولا تأتس بإضافات قيمية، كما أن البحث الكمي هو المهيمن في الحقل الإعلامي الأكاديمي، في حين إبتعد  الكثير من الباحثين عن إجراء مقاربات بحثية كيفية بالإعتماد على مناهج العلاقات السببية والتطورية التي ممكن أن تضيف قيمة نوعية  في حقل علوم الإعلام والإتصال، وربما من أحد الأسباب لهذا القصور هي الصعوبات التي تواجه الباحثين في ألية إسقاط المعطيات المنهجية والنظرية في الدراسات التطبيقية  الحديثة.