اقترن ظهور مصطلح الحرب النفسية Psychological war أو ما يسمى أيضًا بالحرب السيكولوجية، بالخلفية التاريخية والسياسية والعسكرية المنتشرة في القرن العشرين، وبالتحديد إبان الحرب العالمية الأولى والثانية، كما يعد بول يوزف غوبلز Paul Joseph Goebbels أول من وضع أسسًا وقواعد للحرب النفسية التي كان يهدف من خلالها إلى إثارة حالة من الإلهاء العام للشعب والخصوم على حدٍ سواء؛ حتى يضمن حالة من السيطرة النفسية على كل من الشعب. ولقد ذكر غوبلز في مذكراته: «أحرص على أن تصير الجماهير في حالة من الانشغال الدائم». حتى تثبت حالة الإلهاء على أرض الواقع عند إثارة قضايا متعددة ومشتتة في آن واحد، وبذلك يصعب على الشخص أن يفهم محتواها وبأي قضية يتجه، وعلى أي مصدر يعتمد، وهذا ما هو حاصل حقيقة في حقل الإعلام في السيطرة على عقول الجماهير، فقد نجد القائمون على المؤسسات الإعلامية يقومون بطرح مواضيع للجمهور بشكل متواصل ومتكرر حتى تترسخ فكرة معينة بما تتوافق مع سياستهم الإيديولوجية، وبالتأكيد، يجب أن تنطوي تلك القضايا على أكذوبة كبرى لتحقيق أفضل الغايات.
ولو تمعنا قليلًا في المفهوم لوجدنا أن هناك صعوبة في تحديد أبعاد الحرب النفسية وحدودها التي تنطلق منها وأين تنتهي، ولذلك فإن الحرب النفسية تُعد من أخطر الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحروب والصراعات. ويمكن تعريف الحرب النفسية على أنها نوع من الحروب يستخدم فيها الهجوم النفسي والعقلي لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية. ومن أهم أبعاد الحرب النفسية هي التلاعب بالعقول والأذهان، وتوجيه المشاعر والأفكار والسلوكيات باتجاه معين، وإخفاء الحقيقة ونشر الأكاذيب والشائعات، وإثارة الفتن والانقسامات بين الأفراد والمجتمعات. وعلى الرغم من أن الحرب النفسية لا تتضمن استخدام الأسلحة العادية، إلا أنها تتسم بالخطورة الشديدة والتأثير الكبير على المستهدفين، وقد تؤدي إلى تحقيق أهداف الجاني دون الحاجة إلى استخدام القوة المادية. ومن هنا يمكن القول إن الحرب النفسية هي أحدث أساليب الحروب والصراعات التي تشهدها البشرية، وقد امتدت لتشمل جميع مناحي الحياة، وتستخدم في الحروب والصراعات السياسية فضلاً عن استخدامها في العديد من المجالات الأخرى مثل المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني.
– في وقتنا الحالي أصبح بإمكان أي شخص أن يشن حربًا على الآخر بدون الاستعانة بتجهيزات علمية ثقيلة، يكفي أن يكون بحوزتك هاتف محمول وشبكة للإنترنت وهنيئًا لك فقد أصبح لديك منبر تشن فيها حربًا على أي شخص تريده، وهذا ما أكده علماء النفس بأن الشبكة العنكبوتية من أسهل الطرق التي يُعتمد عليها في الحرب النفسية وأخطرها تأثيرًا؛ للارتباط النفسي القوي للفرد بالتكنولوجيا، لكن في المقابل بإستطاعة الفرد أن يتصدى لهذه الحرب ولا يبقى دائمًا الحلقة الأضعف التي تستقبل الشحنات السالبة بدون أي رد فعل منه، بل بالعكس تمامًا إذا اتحدت القوى بين الفرد والسلطة فحتمًا ستكون هزيمة لهذه الحرب المشينة، فأولًا وقبل كل شيء لا بد الوعي بأن هذه الأخيرة كأي حرب أخرى تستدعي تحضيرًا نفسيًّا وتجهيزًا ماديًّا لمواجهة الأمر بحذر وصرامة مع الأخذ بالتدابير اللازمة تنسيقًا مع القوى الأخرى، وفي مقدمتها الإعلام، الذي من وظائفه تنوير الرأي العام بحقائق تخدم البلاد، كما يقع على عاتقه كشف أهداف وسياسة العدو أمام الرأي المحلي أولًا والعالمي ثانيا، بوصفه وسيلة من وسائل الدعاية المضادة مع رسم سياسة إعلامية وطنية، كما أن وجود الثقة بين المواطن والسلطة يساهم في قطع الطريق على محاولات زرع بذور التفرقة لذلك لا بد من التواصل الحقيقي الهادف مع المواطنين والاستماع إلى شكاويهم مع الأخذ بآرائهم لتحقيق الوحدة الوطنية المتماسكة تساهم في وضع استراتيجية علمية وتدابير عملية بالاستعانة بعلماء علم النفس والاجتماع لمجابهة ما يخطط له العدو حاليًا ومستقبلًا.