تعد الكتابة شكلا من أشكال الإتصال، ومنذ الأزل عبر الإنسان البدائي عن أفكاره وإنشغالاته على جدران الكهوف والمعابد، وعليه يعد الرسم على الجدران الوسيلة الأولى للكتابة في تاريخ البشرية، وكان يطلق على تلك النقوش والرموز إسم "مدونات الماضي"، غير أن في منتصف الستينات تقريبا أصبح يطلق عليها اسم Graffiti المشتق من اللغة اليونانية "Graphein" والتي تعني يكتب ، ويعود إستخدام هذا المصطلح الى سنة 1856 من طرف الباحث L’abbe Garruci، الذي صرح عنه أول مرة في مؤلفه Manuel Graffiti de Pompei، ومهما إختلف البعض في تسمية المفردة ، إلا أنه عبر تلك الكتابات المتناثرة قد تعرفنا على أسلوب حياة الشعوب الماضية، فقد حكت لنا تاريخ معين لبيئة محددة، وطريقة عيشهم ومعتقداتهم وأبرز طقوسهم السائدة أنذاك.
وعليه الكتابات الجدارية تشمل أي رسم أو نقش أو حفر أو كتابات لكلمات وعبارات معينة، وهي في الأصل خربشات نتجت حصيلة تفاعل الفرد مع بيئته أو ما يمر عليه في حياته الإجتماعية أو النفسية تم تسجيلها في الذاكرة الإنسانية.
ومما لاشك فيه، بأن الجرافيتي Graffiti بين الماضي والحاضر قد أخذ أشكالا متنوعة، حتى أهدافها إختلفت من زمان ومكان وذلك على حسب طبيعة البيئة وخصوصيتها.
وبالرغم من الإهتمام الذي أصبح يحظى به هذا الفن الإبداعي مجسدا للحظات والمواقف التي يمر بها الشخص، حتى أنه أصبح تخصصا قائما بذاته يُدرس في أغلبية الجامعات لطلبة الفنون الجميلة، ولكن مع ذلك ظل كُتاب الغرافيتي كما وصفهم الدكتور مصطفى حجازي الشريحة المقهورة، التي لم تحظى بالإهتمام المطلوب من طرف السلطات المعنية، وأضاف بأن هذه الشريحة مهمشة بطريقة مقصودة ولعل السبب في ذلك أن هذا الفن يجسد معاني الحرية والرفض أي إستبداد ممكن أن يطال على الجماهير المسلوبة من حقوقها، وغالبية الكتابات التي تكتب على الجدران تحمل شعارات سياسية و إجتماعية ك " إرحل.."، "لن نصمت.."
وبذلك قد وجد الإنسان في الجدران ما لم يعثر عليه في مكانٍ أخر، فقد إحتوت أفكاره وما يختلج في نفسه من معاناة وصراعات، وبإعتبار أن الإنسان إجتماعي بطبعه، فلا يمكن أن يكبُت ما بداخله أو يكتُم صيته، وعندما وجد نفسه بين المطرقة والسندال، إذا تكلم سَيسجن وإذا صمت سيُجن، قد وجد فسحة في نفق مظلم تمثل متنفسا له ليفرغ ما بخلده وبذلك ستظل الكتابات الجدارية رفيقا له تحكي تفاصيل حياته وأسلوب معيشته وستبقى موروثا متداولا بين الأجيال القادمة...
